الحمد لله الذي جعل الدعاة ورثة الأنبياء . وسادات الأتقياء . ومصابيح الدجي .وأئمة الهدى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ,وكم ضال تائه قد هدوه , فما أحسن أثرهم على الناس , وأقبح أثر الناس عليهم .
وصلى الله وسلم على من قال بلغوا عني ولو آية وقال نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها فوعاها فبلغها كما سمعها فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه .وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين .
أما بعد :-
فالهمم تتفاوت حتى بين الحيوانات . فالعنكبوت من حين يولد ينسج لنفسه بيتا ولا يقبل منة الأم . والحية تطلب ما حفر غيرها إذ طبعا الظلم . والغراب يتبع الجيف . والصقر لا يقع إلا على حي . والأسد لا يأكل البايت . والخنفساء تطرد فتعود
ومن اسباب التفوق والنجاح في ميادين الحياة التي تتلاطم فيها المحن ويواجه فيها الانسان ألوانا من العقبات التي تحول بينه وبين مطمعه أو يحصل له فشل في بعضها . فمن أقوى اسباب النجاح الهمة العالية .
وهنا ينقسم الناس الى قسمين :
الاول : من يصيبه يأس وقنوط وفتور فتنهار قواة وتغرورق عيناه من الحزن فهذا النوع هم أصحاب الهمم الضعيفة فالفشل دائما حليفهم .
والقسم الثاني: من إذا أصابه فشل بادي الأمر عاد الكرة مرة بل مرات وزاده هذا الفشل قوة وإصرار على مواصلة الطريق يتجاوز كل العثرات ويحطم كل العقبات بكل صبر وعزيمة إنهم أصحاب الهمم العالية .
ذريني أنل ما لا ينال من العلا**** فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل
تريدين إدارك المعالي رخيصة *** ولابد دون الشهد من إبر النحل
وقال الأخر :
لو لا المشقة ساد الناس كلهم **** الجود يفقر والإقدام قتال
فيا أخي الداعية : لا تظن أن الطريق مفروشة بالورد وأنك إذا أتيت الناس بما يخالف هواهم سيرحبون بك ويجعلونك على الرؤوس .لا ليس الامر كذلك فهاهم أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام الذين بعثهم الله ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور ومن الذل إلى الكرامة ومن الهوان إلى العزة ومع هذا قال الله ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا ) فالعداوة أمر طبيعي ولكن تأمل أخر الآية – وكفى بربك هاديا ونصيرا- فالنصر حليفك مادام الله معك فهو هاديك وناصرك فلم الحزن والضجر ولم البرود والكسل ؟
لا تعجز : فإياك وداء العجز فإنه مهلكة يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ) وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من ( العجز والكسل )
وانظر كيف شنع الله على الذين رغبوا في الدنيا وبهرجها وأعرضوا عن الآخرة ونعيمها (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل )
وأن طرق الدعوة إلى الله تعالى هو طرق الجنة الذي تعب فيه الأنبياء.
قال ابن القيم رحمه الله : “والطريق طريق تعب فيه آدم وناح لأجله نوح ورمى في النار الخليل وأضجع للذبح إسماعيل وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ونشر بالمنشار زكريا وذبح السيد الحصور يحيى وقاسى الضر أيوب وزاد على المقدار بكاء داود وسار مع الوحش عيسي وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم تزها أنت باللهو واللعب “.
فيا دارها بالحزن إن مزارها * قريب ولكن دون ذلك أهوال
كن كالنحلة : كن كالنحلة لا تقع إلا على طيب ولا تخرج إلا طيبا ولا تكن كالجعل الذي يأنف من الطيبات ويألف الخبائث .
أنه حال صغار الهمة ( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ) فعالي الهمة لا يرضى أبدا بالدون ولا يقبل إلا معالي الأمور فيترفع عن كل ما يخرم المرؤة ويزيل الهيبة ويبتذله الناس بسببه فهذا يوسف عليه السلام يدعونه النساء للفحشاء وهو يقول ( رب ا لسجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) و لما جاءه الرسول وهو في السجن قال له ( ارجع إلى ربك فاأسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم ) كان يريد أن تندحر كل شبهة تحوم حوله أنها النفس الأبية التي لا ترضى بالدون ولا تقبل أن تعيش إلا في عالي القمم .
فكن رجلا رجله في الثرى *** وهامة همته في الثريا
الحلم حلية الداعية : قال تعالى ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين )
و في الصحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس “ إن فيك لخلقين يحبهما الله الحلم والأناة” وإذا انحرفت عن خلق الحلم انحرفت : إما إلى الطيش والترف والحدة والخفة وإما إلى الذل والمهانة والحقارة ففرق بين من حلمه حلم ذل ومهانة وحقارة وعجز وبين من حلمه حلم اقتدار وعزة وشرف كما قيل :
كل حلم أتى بغير اقتدار * حجة لاجىء إليها اللئام
وكان معاوية رضي الله عنه يقول ( أني لآنف من أن يكون في الارض جهل لايسعه حلمي, وذنب لا يسعه عفوي, وحاجة لا يسعها جودي), وقال الأخوص :
ما من مصيبة نكبة أرمى بها ****إلا تشرفني وترفع شاني
وإذا سألت الناس الكرام وجدني ** كا لشمس لا تخفى بكل مكان
احذر تلبس الشيطان : ليس عذر ما يتعذر به بعض الناس بأنه مقصر فكيف يدعو وهو مقصر ؟ هذا من تلبيس ابليس فلو كان لا يدعوا إلا الكمل من الناس ما دعا بعد الأنبياء أحد .
نعم قبيح بالداعية أن تخالف أعماله أقواله قال تعالى ( يا أيها الذين أمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )
ولكن ليس الحل أن يتنحى المسلم عن الدعوة بل الواجب عليه أن يجاهد نفسه على الالتزام بما يقول ويتوب من الذنوب ويواصل طريق الدعوة فالدعوة ليس حكرا على أحد أو فئة من فئات المجتمع فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( بلغوا عني ولو آية ) وهذا الأمر عام لكل مسلم ومسلمة .
وكل بحسبه فعلى العالم ما ليس على غيره فالدعاة يتفاوتون في علمه وقدراتهم ولكن كل بقدر ما يستطيع فهذا الدين أمانة في عنق كل مسلم .
وهذا أبو محجن الثقفي رضي الله عنه لم يمنعه شربه للخمر من الجهاد في سبيل الله لما كان يوم القادسية وبلغه ما فعل المشركون بالمسلمين وهو محبوس بسبب الخمر قال .
كفى حزنا أن تطعن الخيل بالقنا*** وأترك مشدودا على وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد وغلقت *** مغاليق من دوني تصم المناديا
وقد كنت ذا أهل كثير وإخوة *** فقد تركوني واحدا لا أخا ليا
هلم سلاحي لا أبا لك إنني *** أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا
فقالت أم ولد سعد (( أترجع لي إن أنا أطلقتك أن ترجع حتى أعيدك في الوثاق ؟ )) قال نعم فأطلقته وركب فرسا لسعد بلقا وحمل على المشركين فجعل سعد يقول لولا أن أبا محجن في الوثاق لظننت أنه أبو محجن وأنها فرسي , وانكشف المشركون وجاء أبو محجن فأعادته في الوثاق وأتت سعدا فأخبرته فأرسل إلى أبي محجن فأطلقه وقال ( والله لا أحبسك فيها أبدا ) وقال أبو محجن ( وأنا والله لا أشربها بعد اليوم أبدا )
فلم تكن معصية أبي محجن رضى الله حائلا دون نصرة الدين وكذلك أنت أخي الحبيب لا يكن تقصيرك مانعا من الدعوة إلى الله .
الصبر طريق النجاح: اعلم أخي الداعية أن الصبر طرق النجاح والتفوق بإذن الله جلا وعلا فلم تحصل الإمامة في الدين إلا بالبصر واليقين قال تعالى ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بأياتنا يوقنون )
إني رأيت وفي الايام تجربة **** للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقل من جد في أمر يطالبه ****واستصحب الصبر إلا فازبالظفر
رأس الامر: كل ماذكرت عوامل بلا شك في نجاح الدعوة ولكن العامل الاهم هو الأخلاص لله سبحانه وتعالى فاستصحاب النية وتخليصها من الشوائب وتنقيتها من حظوظ النفس وطلب الشهرة وكلامات الثناء هو عنوان قبولها .
أخي الداعية احذر أن تكون ممن قال الله فيهم (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا )
فكل عمل تشوبه شائبة الرياء فإنه يكون هباء منثورا فكم يا أخي الحبيب تكتب في هذه المنتديات وكم تلقي من الكلامات .
فلا يكن ما تسطره يمينك ويقوله لسانك عليك غمة يوم القيامة احذر أن يزين لك الشيطان سوء عملك ويغرك عن محاسبتك نفسك فتكون ممن قال الله فيهم (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )
هذه كلامات يسيرة لعلها تكون زادا للداعية وهناك اشياء كثيرة لم اتعرض لها طلبا للأختصار ولكن ما ذكرت في نظري أنه أهم مقومات النجاح والله أعلم